توجهات مختلفة:
تباين السياسات الأمريكية تجاه الميلشيات المسلحة في المنطقة

توجهات مختلفة:

تباين السياسات الأمريكية تجاه الميلشيات المسلحة في المنطقة



تمثل الميلشيات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما تلك المدعومة من إيران، تحدياً رئيسياً لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، في وقت تعمل على الحد من التدخل الأمريكي المباشر في المنطقة، للتركيز على أولويات أخرى داخلية ودولية تعطيها الإدارة أهمية قصوى، ما فرض عليها التعامل مع تلك الميلشيات التي تهدد أمن واستقرار دول المنطقة، وخاصة مع إخفاق الجهود الدبلوماسية الأمريكية حتى الآن للعودة للاتفاق النووي بين إيران ومجموعة “٥+١”، وتزايد تهديد تلك الميلشيات للجنود الأمريكيين في العراق، فضلاً عن ما تفرضه تحركاتها من أزمات إنسانية في مناطق الصراع المختلفة.

إجراءات متعددة

مع ذلك، فإن واشنطن لا تتبنى سياسة واحدة تجاه تلك الميلشيات، وإنما سياسات متعددة وأحياناً متناقضة، وهو ما تفرضه عليها مصالحها ورؤيتها للتطورات التي تشهدها الملفات الإقليمية المختلفة. ويمكن تناول ذلك على النحو التالي:

1- محاصرة حزب الله اللبناني: تنطلق سياسة الإدارة الأمريكية- كباقي الإدارات الجمهورية والديمقراطية السابقة- من رؤية أن الحزب يشكل تهديداً للولايات المتحدة الأمريكية ولحلفائها ومصالحها في منطقة الشرق الأوسط والعالم. وقد صُنِّف الحزب كمنظمة إرهابية أجنبية في 8 أكتوبر ١٩٩٧ وكمنظمة إرهابية عالمية خاصة في 31 أكتوبر ٢٠٠١. ولذلك فقد عملت إدارة بايدن خلال الأشهر الماضية على التصدي لأنشطة الحزب التي تطيل أمد عدم الاستقرار في لبنان وفي جميع أنحاء المنطقة، وكذلك موارده المالية التي يستخدمها في “تمويل الأنشطة الإرهابية”.

وكانت آلية العقوبات الأمريكية أحد أبرز أدوات إدارة بايدن لمحاصرة نفوذ الحزب لبنانياً وإقليمياً. ففي ١١ مايو الماضي، فرضت عقوبات على سبعة أفراد يعملون لصالح الحزب ومؤسسة “القرض الحسن” التي تُؤمِّن غطاءاً للنشاط المالي للحزب أو نيابة عنهما، لمواصلة إعاقته عن العمل من خلال النظام المالي العالمي. وفي ١٧ سبتمبر الفائت، فرضت واشنطن عقوبات على أعضاء شبكة مالية تعمل على تمويل الحزب، ما يكشف عن استمرار الإدارة الأمريكية في تكثيف جهودها لتقويض نفوذ الأخير.

وتعمل الإدارة الأمريكية على بناء شراكات مع حلفائها في المنطقة للتعاون معها في اتخاذ خطوات لضمان أن الحزب لا يستغل أراضيها أو مؤسساتها المالية لتعزيز نفوذه المالي والسياسي وكذلك العسكري. ولاستمرار تهديد أنشطة الحزب للأمن القومي الأمريكي، وكذلك السيادة اللبنانية والاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة، مددت الإدارة الأمريكية، في 20 يوليو الماضي، حالة الطوارئ الوطنية في لبنان المعلنة منذ عام ٢٠٠٧ لعام إضافي. ومن الجدير بالذكر أن الإدارات الأمريكية تُفرِّق بين حزب الله كمنظمة وبين الحكومة اللبنانية التي يشارك فيها الحزب، حيث تعاملت مع حكومات لبنانية عدة يشارك فيها الحزب ولم تفرض عليها عقوبات.

2- هجمات ضد الميلشيات العراقية: أمر الرئيس جو بايدن بشن هجومين عسكريين في ٢٥ فبراير و٢٨ يونيو الماضيين، على البنية التحتية التي تستخدمها الميلشيات المسلحة المدعومة من إيران (“كتائب حزب الله” و”كتائب شيد الشهداء”) في كل من سوريا والعراق، رداً على الهجمات التي تنفذها ضد أفراد من القوات الأمريكية وقوات التحالف في العراق. وقد كان الهدف من تلك الضربات هو تأكيد الإدارة الأمريكية على التزامها بحماية الأفراد الأمريكيين في الخارج من أى تهديدات، وردع تلك الميلشيات عن شن هجمات جديدة ضد الأمريكيين.

بيد أن الإدارة تحاول فصل جهودها لحماية الأمريكيين من التعرض لتهديدات من قبل الميلشيات المسلحة المدعومة من قبل إيران في سوريا والعراق، والمفاوضات غير المباشرة التي تجري في فيينا بهدف إحياء الاتفاق النووي المبرم مع إيران في عام ٢٠١٥.

3- دعم “قوات سوريا الديمقراطية”: أكد الرئيس بايدن لقائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) مظلوم عبدي أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تتخلى عن حلفائها الأكراد، وذلك بعد تصاعد المخاوف من تداعيات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، حيث قال عبدي، في 28 سبتمبر الفائت، أن البيت الأبيض أرسل قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال فرانك ماكنزي في زيارة غير معلنة إلى شمال شرقى سوريا لتقديم تطمينات إلى “قسد” بأن الإدارة الأمريكية لن تتخلى عنها.

وتهدف واشنطن من الحفاظ على ٩٠٠ جندي أمريكي في شرق سوريا إلى تقديم الدعم لقوات “قسد” للقضاء على خلايا تنظيم “داعش” الإرهابي، ومنع التوغلات التركية ضد الأكراد الذين يعتبرهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، “إرهابيين”، وكذلك لمنع استيلاء النظام السوري على المناطق التي تقع تحت سيطرة “قسد”. وقد أكد على ذلك قيام مساعد وزير الخارجية الأمريكي بالإنابة جوى هود، في ١٦ مايو الماضي، بعقد اجتماعات مع كبار المسئولين في “قوات سوريا الديمقراطية”، أكد خلالها على التزام الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون والتنسيق في التحالف الدولي لهزيمة “داعش”، واستمرار الاستقرار في شمال شرق سوريا، وإيصال مساعدات إرساء الاستقرار إلى المناطق المحررة لضمان الهزيمة الدائمة للتنظيم الإرهابي.

4- ممارسة ضغوط على الحوثيين: على الرغم من اتخاذ الإدارة الأمريكية قراراً، في ١6 فبراير الماضي، بإنهاء تصنيف ميلشيا الحوثي باعتبارها منظمة إرهابية أجنبية، فإنها اتجهت، مع رفض جماعة الحوثي وقف إطلاق النار والانخراط في التفاوض لإنهاء الأزمة اليمنية، واستمرار هجماتها العسكرية على الأراضي السعودية، وعلى مأرب، بما يشكل تهديداً للوضع الإنساني المتردي بالفعل في اليمن، إلى فرض عقوبات، في ١٠ يونيو الماضي، على شبكة دولية تقدم الدعم المالي للميلشيا المتمردة.

ففي هذا السياق، فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على عديد من قيادات ميلشيا الحوثي لقيادة هجمات تستهدف البنية التحتية وتضر بالمدنيين اليمنيين، والإشراف على هجمات الحوثيين في مأرب التي تضاعف المعاناة الإنسانية، وفقاً للأمر التنفيذي رقم ١٣٦١١ الخاص بفرض عقوبات على ممتلكات الأشخاص الذين يهددون السلام والأمن والاستقرار في اليمن.

وتهدف تلك العقوبات إلى ممارسة ضغوط على جماعة الحوثي من أجل وقف إطلاق النار واستئناف المحادثات السياسية التي تساعد على توفير الإغاثة العاجلة التي يحتاجها الشعب اليمني، حيث ترى الإدارة الأمريكية أن حل الأزمة الإنسانية في اليمن لا يمكن إلا باتفاق السلام بين أطراف الصراع.

هدفان رئيسيان

على ضوء ذلك، يمكن القول إن واشنطن تتبنى سياسة تعتمد على العقوبات أو الضربات العسكرية، للتعامل مع معظم الميلشيات المسلحة في المنطقة، لاسيما تلك المرتبطة بإيران، حيث تسعى من خلال ذلك إلى تحقيق هدفين رئيسيين هما:

1- احتواء اندفاع الميلشيات نحو التصعيد: وهو ما يمكن أن يفرض على الولايات المتحدة الأمريكية إعادة الانخراط العسكري مجدداً في المنطقة، على نحو يتناقض مع الجهود التي تبذلها من أجل تقليص الالتزام الأمريكي في المنطقة لصالح قضايا داخلية ودولية أكثر أهمية في رؤيتها.

2- توجيه رسائل رادعة إلى إيران: تهدف السياسات التي تتبناها إدارة بايدن تجاه الميلشيات المسلحة المدعومة من قبل إيران إلى توجيه رسائل رادعة للأخيرة، مفادها أن الجهود الدبلوماسية الأمريكية للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) لا تعني أن الإدارة تغض الطرف عن الدور الإيراني المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط، ولاسيما في ظل ضغوط المشرعين الديمقراطيين والجمهوريين داخل الكونجرس من أجل التعامل بشكل أكثر حزماً مع الدور الإيراني في المنطقة، والميلشيات المسلحة المدعومة من قبل طهران.